Wednesday, June 25, 2008

يوسف شاهين ..فى انتظارك بيننا



قم يا حبيبى حاور النجمات..قم وامش فالكاميرا على العتبات..اخلع قناع الأوكسجين وقم لنا.. قم إن بحر العشق بحر واسع.. والقلب محسوب على العثرات.. قم إننى سأريك شيئا رائعا..كل الجميلات الذين عرفتهم..بالباب والأشواق منتظرات..يا يوسف الصديق هيا قم لنا..هذا الذى تشكوه شىء زائل..مهما اضطربت وزلت الخطوات.. يبقى الخلود هوايةً لك سيدى.. مهما وجدت عداوة الأموات.

الخلود هوايتك منذ عرفناك فكيف نصدق هذا الذى نقرأ.. هذا الخبر الذى تتداوله الألسنة..المحطات التلفزيونية.. الصفحات الأولى للجرائد.. يزعمون أنك مريض يا سيدى..وأنك فى وضع حرج وأن الأطباء يجاهدون حتى ينقذوك من الغيبوبة ..والغيبوبة ذات سطوة مفزعة.. وأنت رقيق كالعصفور ولا تحتمل الفزع.. فإلى أين تأخذين حبيبى أيتها الغيبوبة الغبية ..حبيبى لى وحدى فكيف تجرؤين على التفكير فى اختطافه..قم يا حبيبى فالكاميرا على أهبة الاستعداد..هيا فالجميع ينتظرك..نجمات السينما اللائى لا يبحن بأسرارهن إلا إليك..جبل الأفكار المسحورة الذى لا يعرف طريقه غيرك..المريدون والعاشقون والأنبياء والملائكة..كل هؤلاء ينتظرونك على باب غرفتك فى المستشفى.. فهل ستتركهم ينتظرون طويلا.

يقولون أننا يجب أن نخاطب المريض بالكوما أو الغيبوبة طوال الوقت لأن هذا يساعد على شفائه..حسنا..سأضع على قلبى شيئا من الجرأة وأجلس حتى أحكى لك حكاية..أحكى لك وأنت من علمتنا الحكى..ولكن لعلها فرصة حتى نريك شيئا مما تعلمناه منك يا أستاذ..كان يا ما كان..طفل صغير فى التاسعة من العمر..يذهب للمدرسة ..يعود..يؤدى الواجب..يطيع أمه ويغسل أسنانه جيدا قبل أن ينام..وذات ليلة يشاهد فيلما..لا يعرف اسمه ولكنه يصاب بالسحر- والسحر لحسن الحظ غير مرئى- لهذا لم تلحظ أمه ما فعله فيه مشهد ممثل – سيعرف لاحقا أن اسمه محسن محيى الدين – فى فيلم - سيفهم لاحقا أن اسمه اسكندرية ليه-..يؤدى مشهدا من مسرحية –سيدرك بعد ذلك أنها مسرحية شهيرة وأن اسمها هاملت- ..آه على طفل ما عاد طفلا يا سيدى..الطفل سيسهر طوال الليل يفكر فى هذا الشىء العبقرى الذى رآه..يسترجع العبارة..يستنطق المشهد فى الخيال ولا يسأم.."لو الدنيا كلها وقفت ضدى حابقى ممثل"..وبما أن الوردة ليست مسئولة عن العطر الذى يفوح منها..ولا النار مسئولة عن العشق الذى تكنه لها الفراشات..فبإمكانك تماما أن تتنصل مما حدث لى ليلتها..ولكنى – والله شهيد- ما اتخذت قرارى بأن أكون كاتبا إلا بسببك وبعد مشاهدتى هذا الفيلم فى تلك الليلة التى لا تنسى..ستظل مصاحبا لأيامى و مؤنسا لوحشتى زمنا غير هين ستظل السند الذى أتكىء عليه كلما نظر لى الآخرون بسخافتهم وضيق أفقهم وقالوا ..الولد ده غريب قوى..هو مجنون ولا ايه..أنت علمتنا أن الجنون فضيلة العشاق على الأرض وعملهم الصالح الذى يلقون به الله ويدخلون عليه الجنة..ظللت أشاهد أفلامك ما لاأحصيه من المرات .."حدوتة مصرية"و"المصير"جزء من ذاكرتى الشخصية يستحيل إلغاؤه....وحين بدأ فكرى فى التشكل والتبلور..حين بدأت فى الخروج من عباءة التلميذ المستلب إلى فضاء يتيح لى هامشا من النقد ومساحة من الاختلاف مع الأستاذ ..بقيت يا حبيبى فى البال علامة ماثلة لأول محطة تعلمنا فيها معنى كلمة جمال ومعنى كلمة فن.

أستاذ يوسف شاهين ..طوال مسيرتك وأنت محترف بقاء..سقطت أسماء وظهرت أسماء وبقيت أنت..شاهدك الجيل الذى هتف ضد الملك وشاهدك جيل يهتف ضد التوريث..أنت عاشق سينما و محترف بقاء.. والمحترف لا يتخلى عن حرفته بسهولة..فبالله عليك كن على قدر ظنى فيك وقم منها سالما..قم ولا تخف..وإنى سألت شيخى بالأمس..هل سيشفى يوسف شاهين..تبسم وقال فى اطمئنان..من كان يؤمن بالسينما ..فإن يوسف شاهين حى لا يموت.